فصل: الوجه التاسع

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى **


*2* الفصل الخامس‏:‏ النصارى آمنوا بمسيح لا وجود له واليهود ينتظرون المسيح الدجال

وفي قول المسيح في هذه البشارة‏:‏‏(‏‏(‏وليس لي من الأمر شيء‏)‏‏)‏ إشارة إلى التوحيد وأن الأمر كله لله، فتضمنت هذه البشارة أصلي الدين‏:‏ إثبات التوحيد، وإثبات النبوة، وهذا الذي قاله المسيح مطابق لما جاء به أخوه محمد بن عبد الله عن ربه من قوله له

‏:‏‏(‏ليس لك من الأمر شيء‏)‏ فمن تأمل حال الرسولين الكريمين ودعوتهما وجدهما متوافقين متطابقين حذو القذة بالقذة، وإنه لا يمكن التصديق بأحدهما مع التكذيب بالآخر البتة، وإن المكذب بمحمد صلى الله عليه وسلم أشد تكذيبا للمسيح الذي هو المسيح ابن مريم، عبد الله ورسوله؛وإن آمن بمسيح لا حقيقة له ولا وجود وهو أبطل الباطل‏.‏

وقد قال يوحنا في كتاب أخبار الحواريين وهو يسمونه إقراكيس‏:‏ ‏(‏أحبابي إياكم أن تؤمنوا بكل روح، لكن ميزوا الأرواح التي من عند الله من غيرها، واعلموا أن كل روح تؤمن بأن يسوع المسيح قد جاء وكان جسدانيا فهي من عند الله، وكل روح لا تؤمن بأن المسيح قد جاء وكان جسدانيا فليست من عند الله، بل من المسيح الكذاب الذي هو الآن في العالم‏)‏‏)‏‏.‏

فالمسلمون يؤمنون بالمسيح الصادق الذي جاء من عند الله بالهدى ودين الحق، الذي هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، والنصارى إنما تؤمن بمسيح دعى إلى عبادة نفسه وأمه وأنه ثالث ثلاثة وأنه الله وابن الله، وهذا هو أخو المسيح الكذاب لو كان له وجود، فإن المسيح الكذاب يزعم أنه الله‏.‏

والنصارى في الحقيقة أتباع هذا المسيح كما أن اليهود إنما ينتظرون خروجه، وهم يزعمون أنهم ينتظرون النبي الذي بشروا به، فعوضهم الشيطان بعد مجيئه من الإيمان به انتظارا للمسيح الدجال، وهكذا كل من أعرض عن الحق يعوض عنه بالباطل‏.‏

*2* ما عوض به إبليس والنصارى وكل مستكبر عن حق

وأصل هذا أن إبليس لما أعرض عن السجود لآدم كبرا أن يخضع له تعوض بذلك ذل القيادة لكل فاسق ومجرم من بنيه، فلا بتلك النخوة ولا بهذه الحرفة، والنصارى لما أنفوا أن يكون المسيح عبدا لله تعوضوا من هذه الأنفة بأن رضوا بجعله مصفعة اليهود ومصلوبهم الذي يسخرون منه ويهزؤن به، ثم عقدوا له تاجا من الشوك بدل تاج الملك، وساقوه في حبل إلى خشبة الصلب، يصفقون حوله ويرقصون‏.‏

فلا بتلك الأنفة له من عبودية الله، ولا بهذه النسبة له إلى أعظم الذل والضيق والقهر، وكذلك أنفوا أن يكون للبترك والراهب زوجة أو ولد، وجعلوا لله رب العالمين الولد، وكذلك أنفوا أن ‏(‏ص 66‏)‏ يعبدوا الله وحده لا شريك له ويطيعوا عبده ورسوله‏.‏

ثم رضوا بعبادة الصليب والصور المصنوعة بالأيدي في الحيطان، وطاعة كل من يحرم عليهم ما شاء، ويحلل لهم ما شاء، ويشرع لهم من الدين ما شاء من تلقاء نفسه‏.‏

ونظير هذا التعويض أنفة الجهمية أن يكون الله سبحانه فوق سماواته على عرشه، بائنا من خلقه، حتى لا يكون محصورا بزعمهم في جهة معينة، ثم قالوا‏:‏ هو في مكان بذاته‏.‏

فحصروه في الآبار والسجون والأنجاس والأخباث، وعوضوه بهذه الأمكنة عن عرشه المجيد‏.‏

فليتأمل العاقل لعب الشيطان بعقول هذا الخلق، وضحكه عليهم واستهزاءه بهم‏!‏‏!‏‏!‏

قول المسيح‏:‏‏(‏‏(‏إذا انطلقت أرسلته إليكم‏)‏‏)‏ معناه‏:‏ أني أرسله بدعاء ربي وطلبي منه أن يرسله، كما يطلب الطالب من ولي الأمر أن يرسل رسولا أو أن يولي نائبا أو يعطي أحدا، فيقول‏:‏ أنا أرسلت هذا ووليته وأعطيته‏.‏ يعني أني كنت سببا في ذلك؛

فإن الله سبحانه إذا قضى أن يكون الشيء فإنه يقدر له أسبابا يكون بها، ومن تلك الأسباب دعاء بعض عباده بأن يفعل ذلك، فيكون في ذلك من النعمة إجابة دعائه مضافا إلى نعمته بإيجاد ما قضى كونه، ومحمد صلى الله عليه وسلم قد دعا به الخليل أبوه، فقال‏:‏

‏(‏ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك، ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم، إنك أنت العزيز الحكيم‏)‏‏.‏

مع أن الله سبحانه قد قضى بإرساله، وأعلن باسمه قبل ذلك، كما قيل له‏:‏ يا رسول الله، متى كنت نبياً‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏وآدم بين الروح والجسد‏)‏‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته‏)‏‏)‏‏.‏

وهذا كما قضى الله سبحانه نصره يوم بدر، ومن أسباب ذلك استعانته بربه ودعاؤه وابتهاله بالنصر، وكذلك ما يقضيه من إنزال الغيث قد يجعله بسبب ابتهال عباده ودعائهم وتضرعهم إليه، وكذلك ما يقضيه من مغفرة ورحمة وهداية ونصر قد يسبب له أدعية يحصل بها ممن ينال ذلك، أو من غيره، فلا يمتنع أن يكون المسيح سأل ربه بعد صعوده أن يرسل أخاه محمداً إلى العالم، ويكون ذلك من أسباب الرسالة المضافة إلى دعوة أبيه إبراهيم، لكن إبراهيم سأل ربه أن يرسله في الدنيا فلذلك ذكره الله سبحانه، وأما المسيح فإنما سأله بعد رفعه وصعوده إلى السماء‏.‏

وتأمل قول المسيح‏:‏ ‏(‏‏(‏إني لست أدعكم أيتاماً لأني سآتيكم عن قريب‏)‏‏)‏ كيف هو مطابق لقول أخيه محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليهما، ‏(‏‏(‏ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلا، وإماما مقسطا، فيقتل الخنـزير، ويكسر الصليب، ويضع ‏(‏ص 67‏)‏ الجزية‏)‏‏)‏ وأوصى أمته بأن ‏(‏‏(‏يقرئه السلام منه من لقيه منهم‏)‏‏)‏ وفي حديث آخر‏:‏‏(‏‏(‏كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها

*3*‏ (‏فصل‏)‏ أدلة من التوراة على نبوة محمد

وقد تقدم نص التوراة‏:‏ ‏(‏‏(‏تجلى الله من طور سينا وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران‏)‏‏)‏ قال علماء الإسلام - وهذا لفظ أبي محمد بن قتيبية - ليس بهذا خفاء على من تدبره ولا غموض، لأن مجيء الله من طور سينا إنزاله التوراة على موسى من طور سينا، كالذي هو عند أهل الكتاب وعندنا‏.‏

وكذلك يجب أن يكون ‏(‏‏(‏إشراقه من ساعير‏)‏‏)‏ إنزاله الإنجيل على المسيح، وكان المسيح من ساعير أرض الخليل، بقرية تدعى ناصرة، وباسمها تسمى من اتبع‏:‏ نصارى، وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح فكذلك يجب أن يكون ‏(‏‏(‏استعلانه من جبال فاران‏)‏‏)‏ إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، وجبال فاران هي‏:‏ جبال مكة‏.‏

قال‏:‏ وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن فاران هي مكة، فإن ادعوا أنها غير مكة فليس ينكر ذلك من تحريفهم وإفكهم، قلنا‏:‏ أليس في التوراة أن إبراهيم أسكن هاجر وإسماعيل فاران‏؟‏ ‏!‏

وقلنا‏:‏ دلونا على الموضع الذي استعلن الله منه واسمه فاران، والنبي الذي أنزل عليه كتابا بعد المسيح‏؟‏ ‏!‏ أوليس استعلن وعلن بمعنى واحد، وهما ظهر وانكشف، فهل تعلمون دينا ظهر ظهور دين الإسلام، وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فشوه‏؟‏ ‏!‏

قال علماء الإسلام ‏(‏‏(‏وساعير‏)‏‏)‏ جبال بالشام منه ظهور نبوة المسيح، وإلى جانبه قرية بيت لحم، القرية التي ولد فيها المسيح، تسمى اليوم ‏(‏‏(‏ساعير‏)‏‏)‏ ولها جبال تسمى‏:‏ساعير، وفي التوراة أن نسل العيص كانوا سكانا بساعير، وأمر الله موسى أن لا يؤذيهم‏.‏

قال شيخ الإسلام‏:‏ وعلى هذا فيكون قد ذكر الجبال الثلاثة ‏(‏‏(‏حراء‏)‏‏)‏ الذي ليس حول مكة أعلى منه، وفيه ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول الوحي عليه، وحوله جبال كثيرة وذلك المكان يسمى‏:‏ فاران إلى هذا اليوم‏.‏

والبرية التي بين مكة وطور سينا تسمى برية فاران، ولا يمكن أحدا أن يدعي أنه بعد المسيح نزل كتاب في شيء من تلك الأرض ولا بعث نبي، فعلم أنه ليس المراد باستعلانه من جبال فاران إلا إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على ترتيب الزمان، فذكر إنزال التوراة ثم الإنجيل، ثم القرآن، وهذه الكتب نور الله وهداه‏.‏

وقال في الأول‏:‏ ‏(‏‏(‏جاء وظهر‏)‏‏)‏‏.‏

وفي الثاني‏:‏ ‏(‏‏(‏أشرق‏)‏‏)‏‏.‏

وفي الثالث‏:‏ ‏(‏‏(‏استعلن‏)‏‏)‏ فكان مجيء التوراة مثل طلوع الفجر، ونزول الإنجيل مثل‏:‏إشراق الشمس، ونزول القرآن بمنزلة ظهور الشمس في السماء؛ ولهذا قال‏:‏ ‏(‏‏(‏واستعلن من جبال ‏(‏ص 68‏)‏ فارن‏)‏‏)‏‏.‏

فإن محمدا صلى الله عليه وسلم ظهر به نور الله وهداه في مشرق الأرض ومغربها، أعظم مما ظهر بالكتابين المتقدمين، كما يظهر نور الشمس في مشارق الأرض ومغاربها، إذا استعلنت وتوسطت السماء؛ ولهذا سماه الله ‏(‏سراجاً منيراً‏)‏ وسمى الشمس‏:‏

‏(‏سراجاً وهاجاً‏)‏ و الخلق يحتاجون إلى السراج المنير أعظم من حاجتهم إلى السراج الوهاج؛ فإن هذا يحتاجون إليه في وقت دون وقت، وأما السراج المنير فيحتاجون إليه كل وقت، وفي كل مكان ليلا ونهارا سرا وعلانية‏.‏

وقد ذكر الله تعالى هذه الأماكن الثلاثة في قوله‏:‏ ‏(‏والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين‏)‏

فالتين والزيتون‏:‏ هو في الأرض المقدسة التي بعث منها المسيح، وأنزل عليه فيها الإنجيل‏.‏

(‏وطور سنين‏)‏‏:‏ وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى تكليما، وناداه من واديه الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة التي فيه، وأقسم بـ ‏(‏البلد الأمين‏)‏وهو مكة التي أسكن إبراهيم وإسماعيل وأمه فيه، وهو فاران كما تقدم‏.‏

ولما كان ما في التوراة خبرا عن ذلك أخبر به على الترتيب الزماني، فقدم الأسبق، ثم الذي يليه، وأما القرآن فإنه أقسم بها تعظيما لشأنها، وإظهارا لقدرته، وآياته وكتبه ورسله، فأقسم بها على وجه التدريج درجة بعد درجة، فبدأ بالعالي ثم انتقل إلى أعلا منه، ثم أعلا منهما فإن أشرف الكتب القرآن، ثم التوراة، ثم الإنجيل، وكذلك الأنبياء‏.‏

*2* ‏(‏فصل‏)‏ نطق التوراة صراحة بنبوة محمد

وهذا الذي ذكره ابن قتيبية وغيره من علماء المسلمين‏.‏

من تأمل التوراة وجدها ناطقة به، صريحة فيه، فإن فيها ‏(‏‏(‏وعد إبراهيم فأخذ الغلام، وأخذ خبزا وسقاء من ماء، ودفعه إلى هاجر، وحمله عليها، وقال لها‏:‏ اذهبي، فانطلقت هاجر، ونفذ الماء الذي كان معها، فطرحت الغلام تحت شجرة، وجلست مقابلته على مقدار رمية الحجر، لئلا تبصر الغلام حين يموت،

ورفعت صوتها بالبكاء، وسمع الله صوت الغلام حيث هو، فقال لها الملك‏:‏ قومي فاحملي الغلام، وشدي يدك به، فإني جاعله لأمة عظيمة، وفتح الله عينيها فبصرت ببئر ماءً فسقت الغلام وملأت سقاها، وكان الله مع الغلام فتربى وسكن في برية فاران،

فهذا نص التوراة أن إسماعيل ربي وسكن في برية فاران بعد أن كان يموت من العطش، وأن الله سقاة من بئر ماء‏)‏‏)‏‏.‏

وقد علم بالتواتر واتفاق الأمم أن إسماعيل إنما ربي بمكة، وهو وأبوه إبراهيم بنيا البيت، فعلم قطعا أن ‏(‏‏(‏فاران‏)‏‏)‏ هي أرض مكة‏.‏

*2* ‏(‏فصل‏)‏ أمثلة من التوراة على صحة نبوة محمد

ومثل هذه البشارة من كلام شمعون فيما قبلوه ورضوا ترجمته ‏(‏‏(‏جاء الله من جبال فاران، وامتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته‏)‏‏)‏‏.‏

ولم يخرج أحد من جبال فاران التي امتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته سوى محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن المسيح لم يكن بأرض فاران البتة وموسى، إنما كلم من الطور، والطور ليس من أرض‏(‏ص 69‏)‏ فاران، وإن كانت البرية التي بين مكة الطور تسمى‏:‏ برية فاران، فلم ينزل الله فيها التوراة، وبشارة التوارة قد تقدمت بجبل الطور، وبشارة الإنجيل بجبل ساعير‏.‏

*2*‏ (‏فصل‏)‏ ما ذكر في نبوة حتقوق

ونظير هذا ما نقلوه ورضوا ترجمته في نبوة حتقوق‏:‏‏(‏‏(‏جاء الله من التين، وظهر القدس على جبال فاران، وامتلأت الأرض من تحميد أحمد، وملك بيمينه رقاب الأمم، وأنارت الأرض لنوره، وحملت خيله في البحر‏)‏‏)‏‏.‏

قال ابن قتيبية وزاد فيه بعض أهل الكتاب ‏(‏‏(‏وستنزع في قسيك أعراقا، وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء‏)‏‏)‏ وهذا إفصاح باسمه وصفاته، فإن ادعوا أنه غيره، فمن أحمد هذا الذي امتلأت من تحميده، الذي جاء من جبال فاران فملك رقاب الأمم‏؟‏ ‏!‏‏!‏‏.‏

*2* الوجه السادس

قوله في الفصل التاسع من السفر الأول من التوراة‏:‏ ‏(‏‏(‏إن هاجر لما فارقت سارة وخاطبها الملك، فقال‏:‏يا هاجر، من أين أقبلت‏؟‏ وإلى أين تريدين‏؟‏ فلما شرحت له الحال، قال‏:‏ ارجعي فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى لا يحصون، وها أنت تحبلين وتلدين ابنا اسمه إسماعيل؛ لأن الله قد سمع ذُلَّك وخضوعك، وولدك يكون وحش الناس، يده فوق يد الجميع، ويد الكل به، ويكون مسكنه على تخوم جميع أخوته‏)‏‏)‏‏.‏

قال المستخرجون لهذه البشارة‏:‏ معلوم أن يد بني إسماعيل قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن فوق أيدي بني إسحاق؛ بل كان في أيدي بني إسحاق النبوة والكتاب، وقد دخلوا مصر زمن يوسف مع يعقوب فلم يكن لبني إسماعيل فوقهم يد‏.‏

ثم خرجوا منها لما بعث موسى وكانوا مع موسى من أعز أهل الأرض، ولم يكن لأحد عليهم يد؛ ولذلك كانوا مع يوشع إلى زمن داود، وملك سليمان الملك الذي لم يؤت أحدا مثله فلم يكن يد بني إسماعيل عليهم‏.‏

ثم بعث الله المسيح فكفروا به، وكذبوه، فدمر عليهم تكذيبهم إياه، وزال ملكهم، ولم يقم لهم بعده قائمة، وقطعهم الله في الأرض أمما، وكانوا تحت حكم الروم والفرس وقهرهم، ولم يكن يد ولد إسماعيل عليهم في هذا الحال، ولا كانت فوق يد الجميع‏.‏

إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم برسالته، وأكرمه الله بنبوته فصارت بمبعثه يد بني إسماعيل فوق يد الجميع، فلم يبق في الأرض سلطان أعز من سلطانهم، بحيث قهروا سلطان فارس والروم والترك والديلم، وقهروا اليهود والنصارى والمجوس والصابئة وعباد الأصنام، فظهر بذلك تأويل قوله في التوارة‏:‏ ‏(‏‏(‏ويكون يده فوق يد الجميع، ويد الكل‏)‏‏)‏ وهذا أمر مستمر إلى آخر الدهر‏.‏

قالت اليهود‏:‏ نحن لا ننكر هذا؛ ولكن إن هذه بشارة بملكه وظهوره وقهره لا برسالته ونبوته‏.‏

قالت المسلمون‏:‏ الملك ملكان‏:‏ ملك ليس معه ‏(‏ص 70‏)‏ نبوة، بل ملك جبار متسلط، وملك نفسه نبوة؛ والبشارة لم تقع بالملك الأول؛ ولا سيما إن ادعى صاحبه النبوة والرسالة، وهو كاذب مفتر على الله فهو من شر الخلق وأفجرهم وأكفرهم، فهذا لا تقع البشارة بملكه وإنما يقع التحذير من فتنته كما وقع التحذير من فتنة الدجال، بل هذا شر من سنجاريب، وبخت نصر، والملوك الظلمة الفجرة الذين يكذبون على الله‏.‏

فالأخبار لا تكون بشارة، ولا تفرح به هاجر وإبراهيم، ولا بشر أحد بذلك، ولا يكون ذلك إثابة لها من خضوعها وذلها، وأن الله قد سمع ذلك ويعظم هذا المولود ويجعله لأمة عظيمة، وهذا عند الجاحدين بمنزلة أن يقال‏:‏

أنك ستلدين جبارا ظالما طاغيا يقهر الناس بالباطل، ويقتل أولياء الله، ويسبي حريمهم، ويأخذ أموالهم بالباطل، ويبدل أديان الأنبياء، ويكذب على الله، ونحو ذلك‏.‏

فمن حمل هذه البشارة على هذا فهو من أعظم الخلق بهتانا وفرية على الله؛ وليس هذا بمستنكر لأمة اليهود‏.‏

*2* الوجه السابع

قول داود في الزبور‏:‏

‏(‏‏(‏سبحوا الله تسبيحا جديدا، وليفرح إسرائيل بخالقه، وبيوت صهيون من أجل أن الله اصطفى له أمته وأعطاه النصر، وسدد الصالحين بالكرامة يسبحون على مضاجعهم، ويكبرون الله بأصوات مرتفعة، بأيديهم سيوف ذات شفرتين، ولينتقم بهم من الأمم الذين لا يعبدونه، يوثقون ملوكهم بالقيود، وأشرافهم بالأغلال‏)‏‏)‏‏.‏

وهذه الصفات إنما تنطبق على سيدنا محمد وأمته، فهم الذين يكبرون الله بأصواتهم مرتفعة في أذانهم للصلوات الخمس، وعلى الأماكن العالية‏.‏

قال جابر‏:‏‏(‏‏(‏كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا علونا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا، فوضعت الصلاة على ذلك‏)‏‏)‏ وهم يكبرون الله بأصوات عالية مرتفعة في الأذان، وفي عيد الفطر، وعيد النحر، وفي عشر ذي الحجة، وعقيب الصلوات في أيام منى‏.‏

وذكر البخاري عن عمر بن الخطاب أنه كان يكبر بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره، فيسمعهم أهل الأسواق فيكبرون، حتى ترتج منى تكبيرا‏.‏

وكان أبو هريرة وابن عمر يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، ويكبرون أيضا على قرابينهم وضحاياهم، وعند رمي الجمار، وعلى الصفا والمروة، وعند محاذاة الحجر الأسود، وفي أدبار الصلوات الخمس؛وليس هذا لأحد من الأمم لا أهل الكتاب ولا غيرهم سواهم؛فإن اليهود يجمعون الناس بالبوق، والنصارى بالناقوس‏.‏

وأما تكبير الله بأصوات مرتفعة فشعار محمد بن عبد الله وأمته وقوله‏:‏‏(‏‏(‏بأيديهم سيوف ذات شفرتين‏)‏‏)‏ فهي السيوف العربية التي فتح الصحابة بها البلاد، وهي إلى اليوم معروفة لهم، وقوله

‏(‏ص 71‏)‏ ‏(‏‏(‏يسبحون على مضاجعهم‏)‏‏)‏ هو نعت للمؤمنين ‏(‏الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم‏)‏‏.‏

ومعلوم قطعا أن هذه البشارة لا تنطبق على النصارى ولا تناسبهم؛فإنهم لا يكبرون الله بأصوات مرتفعة، ولا بأيديهم سيوف ذات شفرتين ينتقم الله بهم من الأمم، والنصارى تعيب من يقاتل الكفار بالسيف؛وفيهم من يجعل هذا من أسباب التنفير عن محمد صلى الله عليه وسلم، ولجهلهم وضلالهم لا يعلمون أن موسى قاتل الكفار، وبعده يوشع بن نون، وبعده داود وسليمان وغيرهم من الأنبياء، وقبلهم إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين‏.‏

*2* الوجه الثامن

قول داود‏:‏‏(‏‏(‏ومن أجل هذا بارك الله عليك إلى الأبد فتقلد أيها الجبار السيف، لأن البهاء لوجهك، والحمد الغالب عليك، أركب كلمة الحق، وسبحت التأله؛ فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك، وسهامك مسنونة، والأمم يخرون تحتك‏)‏‏)‏ وليس متقلد السيف بعد داود من الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي خرت الأمم تحته، وقرنت شرائعه بالهيبة‏:‏إما القبول، وإما الجزية، وإما السيف‏.‏

وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏نصرت بالرعب مسيرة شهر‏)‏‏)‏ وقد أخبر داود أن له ناموسا وشرائع، وخاطبه بلفظ الجبار إشارة إلى قوته وقهره لأعداء الله؛بخلاف المستضعف المقهور، وهو صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، ونبي الملحمة، وأمته أشداء على الكفار رحماء بينهم، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، بخلاف الأذلاء المقهورين المستكبرين، الذين يذلون لأعداء الله، ويتكبرون عن قبول الحق‏.‏

*2* الوجه التاسع

قول داود في مزمور آخر‏:‏‏(‏‏(‏أن الله سبحانه أظهر من صهيون أكليلا محمودا وضرب الأكليل مثلا للرياسة والإمامة، ومحمود‏:‏هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقال في ‏(‏‏(‏صفته‏)‏‏)‏‏:‏ ويحوز من البحر إلى البحر، ومن لدن الأنهار إلى منقطع الأرض، وأنه لتخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم، وتلحس أعداؤه التراب، تأتيه ملوك الفرس وتسجد له، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد، ويخلص المضطهد البائس، ممن هو أقوى منه، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له، ويرأف بالمساكين والضعفاء، ويصلى عليه في كل وقت ويبارك‏)‏‏)‏‏.‏

ولا شك عاقل تدبر أمور الممالك والنبوات وعرف سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة أمته من بعده أن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا عليه، وعلى أمته، لا على المسيح ولا على نبي غيره، فإنه حاز من البحر الرومي إلى البحر الفارسي، ومن لدن الأنهار جيحون وسيحون والفرات إلى منقطع الأرض بالغرب، ‏(‏ص 72‏)‏

وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏‏(‏زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها‏)‏‏)‏‏.‏ وهو الذي يصلى عليه ويبارك في كل حين، وفي كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها، وهو الذي خرت أهل الجزائر بين يديه‏:‏

أهل جزيرة العرب، وأهل الجزيرة التي بين الفرات ودجلة، وأهل جزيرة الأندلس، وأهل جزيرة قبرص، وخضعت له ملوك الفرس فلم يبق فيهم إلا من أسلم أو أدى الجزية عن يد وهم صاغرون؛بخلاف ملوك الروم فإن فيهم من لم يسلم ولم يؤد الجزية؛ فلهذا ذكر في البشارة ملوك الفرس خاصة، ودانت له الأمم التي سمعت به وبأمته، فهم بين مؤمن به، ومسالم له، ومنافق معه، وخائف منه، وأنقذ الضعفاء من الجبارين‏.‏

وهذا بخلاف المسيح فإنه لم يتمكن هذا التمكن في حياته، ولا من اتبعه بعد رفعه إلى السماء، ولا حازوا ما ذكر، ولا يصلون عليه ويباركون في اليوم والليلة؛ فإن القوم يدعون إلاهيته سدس ويصلون له‏.‏

*2* الوجه العاشر

قوله في مزمور آخر‏:‏‏(‏‏(‏لترتاح البوادي وقراها ولتصير أرض قيذار مروجا، ولتسبح سكان الكهوف، ويهتفوا من قلل الجبال بحمد الرب، ويذيعوا تسابيحه في الجو‏)‏‏)‏ فمن أهل البوادي من الأمم سوى أمة محمد، ومن ‏(‏‏(‏قيذار‏)‏‏)‏ غير ولدا إسماعيل أحد أجداده صلى الله عليه وسلم‏؟‏ ‏!‏ ومن سكان الكهوف وقلل الجبال سوى العرب‏؟‏ ‏!‏ ومن هذا الذي دام ذكره إلى الأبد غيره‏؟‏ ‏!‏

*2* الوجه الحادي عشر

قوله في مزمور آخر‏:‏‏(‏‏(‏إن ربنا عظم محمودا‏)‏‏)‏ وفي مكان آخر ‏(‏‏(‏إلهنا قدوس ومحمد قد عم الأرض كلها فرحا‏)‏‏)‏ فقد نص داود على اسم محمد وبلده وأن كلمته قد عمت الأرض‏.‏

*2* الوجه الثاني عشر

قوله في الزبور لداود‏:‏‏(‏‏(‏سيولد لك ولد أدعى له أبا ويدعى لي ابنا، اللهم ابعث جاعل السنة كي يعلم الناس أنه بشر‏)‏‏)‏ وهذه أخبار عن المسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم قبل ظهورهما بزمن طويل، يريد أبعث محمدا حتى يعلم الناس أن المسيح بشر ليس إلها، وأنه ابن البشر لا ابن خالق البشر، فبعث الله هادي الأمة، وكاشف الغمة، فبين للأمم حقيقة أمر المسيح وأنه عبد كريم ونبي مرسل؛لا كما ادعته فيه النصارى ولا كما رمته به اليهود‏.‏

*2* الوجه الثالث عشر

قوله في نبوة شعيا‏:‏‏(‏‏(‏قيل لي قم نظارا فانظر ما ترى تخبر به، قلت‏:‏أرى راكبين مقبلين أحدهما على حمار والآخر على جمل، يقول أحدهما لصاحبه‏:‏سقطت بابل وأصنامها للبحر‏)‏‏)‏ وصاحب الحمار عندنا وعند النصارى هو المسيح، ‏(‏ص 73‏)‏ وراكب الجمل هو محمد صلوات الله وسلامه عليهما، وهو أشهر بركوب الجمل من المسيح بركوب الحمار، وبمحمد صلى الله عليه وسلم سقطت أصنام بابل لا بالمسيح، ولم يزل في إقليم بابل من يعبد الأوثان من عهد إبراهيم الخليل إلى أن سقطت بمحمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

*2* الوجه الرابع عشر

قوله في نبوة شعيا أنه قال عن مكة‏:‏‏(‏‏(‏ارفعي إلى ما حولك بصرك، فستبهجين وتفرحين من أجل أن الله تعالى يُصيّر إليك ذخائر البحر، وتحج إليك عساكر الأمم، حتى تعم بك قطر الإبل المؤبلة، وتضيق أرضك عن المقطرات التي تجتمع إليك،

وتساق إليك كباش مدين، ويأتيك أهل سبأ، وتسير إليك أغنام فاران، وتخدمك رجل نباوت‏)‏‏)‏ يريد سدنة الكعبة وهم‏:‏أولاد نبت ابن إسماعيل، قالوا‏:‏ فهذه الصفات كلها حصلت لمكة‏:‏فإنها حملت إليها ذخائر البحر، وحج إليها عساكر الأمم، وسيق إليها أغنام فاران هدايا وأضاحي وقرابين، وضاقت الأرض عن قطرات الإبل المؤبلة الحاملة للناس وأزوادهم، وأتاها أهل سبأ وهم أهل اليمن‏.‏

*2* الوجه الخامس عشر

قول أشعيا في مكة أيضا‏:‏‏(‏‏(‏وقد أقسمت بنفسي كقسمي أيام نوح أني أغرق الأرض بالطوفان أني لا أسخط عليك ولا أرفضك، وأن الجبال تزول وأن التلاع تنحط، ورحمتي عليك لا تزول‏.‏

ثم قال‏:‏يا مسكينة يا مضطهدة‏!‏ ها أنا ذا بانٍ بالحسن حجارتك، ومزاينك بالجواهر، ومكلل باللؤلؤ سقفك، وبالزبرجد أبوابك، وتبعدين من الظلم فلا تخافي، ومن الضعف فلا تضعفي، وكل سلاح يصنعه صانع فلا يعمل فيك، وكل لسان ولغة تقوم معك بالخصومة تفلحين معها، ويسميك الله اسما جديدا -يريد أنه سماها المسجد الحرام -فقومي فأشرقي فإنه قد دنا نورك وقار الله عليك، انظري بعينيك حولك، فإنهم مجتمعون يأتونك بنوك وبناتك عدوا، فحينئذ تسرين وتزوهين، ويخاف عدوك، وليتسع قلبك، وكل غنم قيذار تجتمع إليك، وسادات نباوت يخدمونك‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏‏(‏ونباوت‏)‏‏)‏ هم أولاد نبت بن إسماعيل‏.‏

‏(‏‏(‏وقيذار‏)‏‏)‏ جد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أخو نبت ابن إسماعيل‏.‏

ثم قال‏:‏‏(‏‏(‏وتفتح أبوابك الليل والنهار لا تغلق، ويتخذونك قبلة، وتدعين بعد ذلك مدينة الرب‏)‏‏)‏‏.‏

*2* الوجه السادس عشر

قوله أيضا في مكة‏:‏‏(‏‏(‏سري واهتزي أيتها العاقر التي لم تلد وانطقي بالتسبيح، وافرحي ولم تحبلي، فإن أهلك يكونون أكثر من أهلي‏)‏‏)‏ يعني بأهله بيت المقدس، ويعني بالعاقر مكة لأنها لم تلد قبل محمد النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ص 74‏)‏ نبيا، ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس لأنه بيت الأنبياء ومعدن الوحي، وقد ولد أنبياء كثيرا‏.‏

*2* الوجه السابع عشر

قول أشعيا أيضا لمكة شرفها الله‏:‏‏(‏‏(‏إني أعطي البادية كرامة لبنان وبهاء الكترمال‏)‏‏)‏ وهما الشام وبيت المقدس؛ يريد‏:‏ أجعل الكرامة التي كانت هناك بالوحي في ظهور الأنبياء للبادية بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالحج‏.‏

ثم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ويشق البادية مياه وسواق في الأرض الفلاة، ويكون بالفيافي والأماكن العطاش ينابيع ومياه، ويصير هناك محجة وطريق الحرم، لا يمر به أنجاس الأمم، والجاهل به لا يصل هناك، ولا يكون بها سباع ولا أسد، ويكون هناك ممر المخلصين‏.‏

*2* الوجه الثامن عشر

قول أشعيا أيضا في كتابه عن الحرم‏:‏‏(‏‏(‏إن الذئب والجمل فيه يرتعان معا‏)‏‏)‏ إشارة إلى أمنه الذي خصه الله به دون بقاع الأرض، ولذلك سماه ‏(‏‏(‏البلد الأمين‏)‏‏)‏ وقال‏:‏‏(‏أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم‏)‏ وقال يعدد نعمة على أهله‏:‏ ‏(‏

لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف‏)‏‏.‏

*2* الوجه التاسع عشر

قول أشعيا أيضا باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏‏(‏‏(‏إني جعلت أمرك يا محمد بالحمد يا قدوس الرب اسمك موجود من الأبد‏)‏‏)‏ فهل بقي بعد ذلك لزايغ مقال أو لطاعن مجال‏؟‏ ‏!‏وقوله‏:‏ ‏(‏‏(‏يا قدوس الرب‏)‏‏)‏ معناه‏:‏يا من طهره الرب وخلصه واصطفاه، وقوله‏:‏ ‏(‏‏(‏اسمك موجود من الأبد‏)‏‏)‏ مطابق لقول داود في مزمور له‏:‏ ‏(‏‏(‏اسمك موجود قبل الشمس‏)‏‏)‏‏.‏

*2*  الوجه العشرون

قول أشعيا في ذكر الحجر الأسود قال‏:‏‏(‏‏(‏الرب والسيد ها أنذا مؤسس بصهيون حجرا في زاوية ركن منه‏.‏ فمن كان مؤمنا فلا يستعجلنا‏.‏ وأجعل العدل مثل الشاقول، والصدق مثل الميزان، فيهلك الذين ولعوا بالكذب‏)‏‏)‏ فصهيون‏:‏هي مكة عند أهل الكتاب، وهذا الحجر الأسود الذي يقبله الملوك فمن دونهم، وهو مما اختص به محمد وأمته‏.‏

*2* الوجه الحادي والعشرون

قول شعيا في موضع آخر‏:‏‏(‏‏(‏أنه ستملأ البادية والمدن قصورا إلى قيذار ومن رؤوس الجبال، وينادونهم الذين يجعلون لله الكرامة ويثنون بتسبيحه في البر والبحر‏)‏‏)‏ وقال‏:‏‏(‏‏(‏ارفع علما لجميع الأمم من بعيد، فيصفر بهم من أقصى الأرض فإذا هم سراع يأتون‏)‏‏)‏‏.‏

وبنو قيذار‏:‏ هم العرب لأن قيذار هو ابن‏(‏ص 75‏)‏إسماعيل بإجماع الناس، والعلم الذي يرفع هو النبوة، والصفير بهم دعائهم من أقاصي الأرض إلى الحج فإذا هم سراع يأتون، وهذا مطابق لقوله عز وجل‏:‏‏(‏وأذن في الناس بالحج يأتوك رِجالاً، وعلى كل ضَامِرٍ يأتين من كُلِّ فجٍ عميق‏)‏‏.‏